ولقد تظافرت عدة أسباب ودواعي لحصول هذا الانقلاب في موريتانيا نذكر من بينها وأهمها تبعا للسياق العام الموريتاني كون العلاقات الاجتماعية في هذا البلد العربي تحددها مفاهيم قبلية بائدة، إذ لم يتمكن المجتمع الموريتاني رغم كل ما عرفه مؤخرا من تغيرات من تحقيق أي تقدم في مجال بناء قاعدة اقتصادية حديثة ولو بأدنى درجات التواضع، كما أن جوهر القضايا المركزية التي يتفاعل حولها الموريتانيون لا تتجاوز في الغالب حدود الصراعات الدائرة بين القبائل التي أصبح لها أحزاب تمثلها باعتبار أن الأحزاب وسيلة للوصول إلى السلطة و لتحقيق التميز في المكانة الاجتماعية على القبائل الأخرى وليست وسيلة لتحقيق برامج تنموية في ميادين مختلفة. وقد أخدت هذه العقلية القبلية بالانتقال من الشكل التقليدي للتعبير عن وجودها السياسي إلى الشكل الحزبي منذ أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي و بذلك ظهرت الكثير من القوى السياسية حيث طغت على معظمها الشخصنة الحزبية والديكتاتورية والفردية والانقسام تبعا للنفوذ القبلي من ناحية وتبعا لضعف النخبة السياسية من ناحية أخرى. وبالرغم من ظهور أحزاب كثيرة في موريتانيا فان الحزب الحقيقي الذي ظل يتحكم بسير الأمور في البلاد في معظم الأحيان هو حزب غير رسمي أي ليس له أي كيان وعبارة عن مجموعة من المستقلين من وجهاء وزعماء القبائل وبعض التجار و الموظفين السابقين الكبار في الدولة وهم يمثلون قوة ضغط كبيرة قريبة من المؤسسة العسكرية والتي تعتبر في الواقع الحزب الحقيقي الحاكم في كل المراحل التي مرت بها موريتانيا.
بالإضافة إلى ذلك، ففي موريتانيا لا يوجد في الواقع صراع سياسي بالمعنى الحديث للصراع السياسي أي صراع من أجل الارتقاء بالوطن نحو الأفضل بل هو صراع على السلطة ومن أجل السلطة ، ولهذا فان كل من يركب دبابته مبكرا فجر أحد الأيام ويسيطر على قصر الرئاسة ومقر الإذاعة يصبح رئيسا ويبقى له فقط أن يكون جزءا من تحالف قبلي يدعمه ويؤازره، وإذا شعرت فيما بعد قبيلة أو مجموعة من القبائل أن الرئيس تخلى عنها أو قزم من دورها أو حجب عنها بعض الامتيازات فإنها تنقلب عليه و تتحالف مع غيره، ولهذا فليس من الغرابة أن يبتلي هذا البلد العربي بالانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار السياسي طالما أن وسائل الإنتاج ما زالت شبه رعوية و شبه زراعية فإنها لن تفرز إلا علاقات بدائية متخلفة ورجعية، وطالما أن العقلية المسيطرة في مجتمع هي عقلية قبلية بكل ما تعنيه علاقات الدم والنسب من قيم عليا فان الحياة السياسية لن تتمكن من الارتقاء لمواجهة المعضلات الحقيقية التي تواجهها البلاد. وهذه المنظومة الإنتاجية الفكرية الاقتصادية والاجتماعية لن يكون بمستغرب معها أن تشهد انقلابات عسكرية بين الفينة والأخرى، ولن تتمكن من وضع قواعد ثابتة للديمقراطية.
وعلاوة على هذا وذاك، فان المتتبع في الأشهر الأخيرة للتطورات في موريتانيا يجد أن الدافع وراء هذا الانقلاب هو بالدرجة الأولى دافع شخصي وليس لمصلحة الشعب كما يدعي الانقلابيون لتبرير انقلاباهم ، حيث أفادت الأنباء المحلية والدولية بان هذا الانقلاب العسكري جاء مباشرة بعد ساعات من توقيع الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله قرارا بإقالة كل من قائد الحرس الرئاسي الجنرال محمد ولد عبد العزيز وقائد أركان الجيش الجنرال محمد ولد غزواني، إذ كرد فعل على هذا القرار، قام هؤلاء الضباط ا بانقلاب عسكري على الحكومة وأعلنوا في أول بيان لهم تلاه وزير الاتصال والثقافة الموريتاني، عن انتهاء عهد الرئيس ولد الشيخ عبد الله، وإلغاء قرار إقالتهم وتشكيل "مجلس دولة" لتسيير شؤون البلد بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز. وهكذا ردت المؤسسة العسكرية للرئيس"محمد ولد الشيخ " الصاع صاعين وقامت بمعاقبته على مواقفه من الجيش حيث رأت في تصرفاته تضييقا عليها وعملا يهدف إلى تهميش دورها وتحديد صلاحياتها وامتيازاتها، ويدل مثل هذا التصرف على استهتار هذه المجموعة من الضباط بالقيم الديمقراطية والوطنية، واحتقارهم لإرادة الشعب واعتبار أنفسهم فوق الشعب وفوق القانون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق