كتبها أحمد ولد إسلم ، في 29 أكتوبر 2009 على الساعة: 01:28 ص Ahmed3112@hotmail.com
"…لا جديد يذكر سوى الجانب الاقتصادي فالأزمة المالية تفعل أفاعيلها فينا أفكر جديا في الذهاب إلى إحدى الدول الإفريقية و خصوصا ساحل العاج سمعت أن هناك فرصا لأمثالنا العاطلين عن العمل …لا تفكر حاليا في موريتانيا ، فكر في مستقبلك الشخصي و فق فقه الأولويات"
كانت تلك خاتمة رسالة وصلتني قبل أيام من صديق، آمن ذات يوم بحلم اسمه موريتانيا، تكبد عناء الدراسة في أقصى الولايات المنسية شرقا، تجاوز الباكالوريا في أول محاولة وكان الثاني في الترتيب وطنيا ، وجاءت مكافأته على التفوق سريعة بحرمانه من التخصصات الثلاثة التي اختار، وألقي به في لجة تخصص بائر البضاعة في سوق العمل المحلية، فلم يفقده ذلك حماسه، إذ أكمل الدراسة، وختم الجامعة كما ختم الثانوية وهو الأول على كليته، غير أنه أضاف إلى ذلك إتقان اللغة الانجليزية والفرنسية، نطقا وكتابة أما العربية، فما غادر بيته وبه حاجة لزيادة فيها.
محملا بطموح الشباب، وشوق العودة، آب إلى ربوع ما كان يعتقده وطنا، حفظ أسماء المكاتب وعناوينها عن ظهر قلب، وحفظ ما فيها من وجوه تفننت جميعها في إذلاله، لكن نخلة العزم في ذهنه لم تجتث، فعلق الشهادات التي خسر ثلثي عمره في تحصيلها على جدار كوخ قصديري في حي عشوائي بمقاطعة عرفات، وتحتها قبالة المدخل وسام من رئاسة جامعته وثلاث شهادات لدورات متقدمة في الانجليزية، تستقبل زار الكوخ، ثم نزل إلى الشارع ليعمل نادلا في مطعم.
إنه أحد ثلاثة أصدقاء كلما التقيتهم ازددت مقتا لهذا البلد البائس، والعصابة المتحكمة فيه، فالآخران، حصل أحدهما على شهادة مهندس في المحروقات، وكان الأول على الدولة التي درس بها وليس على الجامعة فقط، وحين عاد إلى نواكشوط لم يجد غير العمل مشرفا على مقهى للانترنت.
وأما الثالث فصادف قدومه إعلان مسابقة في الحرس الوطني، تطلب شهادة الباكالوريا، فقدم لهم شهادة مهندس دولة في الأوتوماتيك، فرفضوها، وكان له في مصير من سبقوه عظة، فلم يتردد في إلغاء خمس سنوات من حياته، والالتحاق بصف الحرس.
هم ثلاثة من خيرة أبناء البلد، وغيرهم عشرات، ليس منا من لا يعرف من عاشوا أسوأ من هذه الظروف، وشواهد الانحراف المؤسسي، وتقزيم حملة الشهادات تتراكم مذ ارتكب العالم جريمة الاعتراف بنا دولة في الأمم المتحدة، ولا يفتتح البيان الأول عهدا إلا بكينا على سلفه.
هؤلاء العباقرة ربما ساهمت تربيتهم وتكوينهم العلمي ونبوغهم في اقتناعهم بالصبر على الطريق التي اختاروا، غير أن أحدا لن يلومهم لو غيروا يوما مسارهم تحت وطأة العوز، فغادروا العاصمة غربا في قوارب الموت، أو شرقا إلى كتائب الموت، أو جنوبا إلى معاقل الفقر والمرض والمهانة، فأن يموت شاب وهو يحلم بالحياة خير له من حياة يتوسل إلى الموت كل غداة أن يطرق بابه.
ومن يعود إلى بيته مساء كل خيبة، وقد زادت ديونه بقوت يوم، ونقص عمره بيوم، ورأى في طريق عودته أقواما يتطاولون في البينان، كانوا يوم غادر أرضه حفاة عراة عالة، تركوا مقاعد الدراسة حين كان دخان شمعته يرسم على الحائط خطا أسود، أو يضطر لاستعمال بقايا زيت طعام أسرته، يغمس فيه فتيلا مقتطعا من هامش ثوب أخته لانعدام ثمن الشمعة..
ومن يدخل على مكتب يستقبله موظف على أريكته، يذكره وجهه بيوم كان ينزوي في الفصل يرمق الجالسين قربه بعين شاخصة تفيض استعطافا، وبعدما كلت كل المناكب التي حملته واستيأس الأساتذة والمديرون اختفى عن الأنظار ليصير بقدرة قادر موظفا رسميا في الدولة يتحكم في مصير من أفنى الشباب يصارع وحده كل مغريات الهجرة..
ومن يقدم ملفه المشحون بالشهادات العلمية لمدير مؤسسة، فيسأله عن أسرته بدل النظر في محتويات الملف..
ومن يعمل متدربا في مؤسسة بتعويض أقل من تكلفة الوصول إليها، ويكون المسؤول المباشر عنه شخصا فشل في كل مراحل التعليم، فقذفت به القرابة إلى صدارة مجلس لا تسعفه معرفته بتصدره، يتشاغل بمداعبة سجارته حين يناقش المثقفون قضاياهم..
من عاصر كل ذلك، لا تطربه اسطوانة الوعود المشروخة التي تلوكها ألسنة القادمين إلى القصر الرمادي، والمتفيئين ظلاله، ومن يسبح بحمدهم.
… في ختام آخر رسالة من هذا الصديق قال: " أدعو الله لي فأنا أنتظر مصيري"
كانت الكلمة مؤلمة، يتفطر القلب لدى قراءتها،.. فأن يقول لك شاب مثله بنبرة يائسة إنه ينتظر مصيره، فهذا يعني احتمالات لا قدرة على حصرها…. فأي مصير تراه ينتظر؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عودة لمرصد مدونات موريتانيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحرير الرسالة
الجمعة، 27 نوفمبر 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
المجموعة البريدية للمدونات العربية . لأخذ فكرة عنها و عن أهدافها ، اضغط هنا
اشتراك في المجموعة البريدية للمدونات العربية |
البريد الإلكتروني: |
زيارة هذه المجموعة |
أكثر المواضيع رواجا منذ نشأة المدونة.
-
المرة الأولى التي اطلعت فيها على مأساة الشاب المصري خالد سعيد لم تكن عبر القنوات الإخبارية ولا عبر الإذاعات ولا حتى الصحف، فوسائل الإعلام ال...
-
السلام عليكم. ضيفنا الثاني هي السيدة "سلاف زاوي" جزائرية مقيمة في بريطانيا . متحصلة على ماجيستار فى الهندسة الكميائية من جام...
-
1 -الاتصالات والانترنت في الجزائر الموضوع مقتبس لكني لم أعثر له عن أي المصدر . وتعتبر أول خطوة فى هذا المجال هى إصدار قانون جديد لقطاع الاتص...
-
هي أول مشاركة في حملة عامة أقدمت عليها تحت شعار " شعب مصر و الجزائر ،مصير مشترك لا تعطله أطماع الذئاب المسعورة ،و لا أكاذيب الغربان الن...
-
خصصنا صفحة لكل دولة عربية بنية الترويج لجديد المدونات فيها. نستعرض المدونات مصنفة حسب توجه أصحابها ( إخبار ية ،أدبية ، دينية ، سياسية ، فنية...
حوارات
مقالات و دراسات عن التدوين
مقالات عن التدوين حسب الدول .
تصنيفات
أخبار التدوين.
(69)
أخلاقيات التدوين.
(6)
استطلاع رأي.
(3)
الإنترنت في الدول العربية
(3)
التدوين من خلال تقييمات لتجارب شخصية.
(2)
المدونات الجوارية.
(1)
المدونات و دورها في الدعاية الفكرية و السياسية.
(2)
اهتمام رجال السياسة و مؤسساتهم بميدان التدوين.
(9)
اهتمام وسائل الأعلام بالتدوين و المدونات .
(5)
تدويناتي الخاصة.
(32)
تعرف على الأردن
(1)
تعرف على الجزائر
(3)
تعرف على موريتانيا
(3)
تعرف على موريتانيا.
(1)
تنظيمات التدوين
(1)
حريات
(5)
حملات عامة.
(11)
حوار مع مدون (مختصرات عن كرسي الإعتراف )
(3)
حوار مع مدون أردني
(2)
حوار مع مدون جزائري
(7)
حوار مع مدون فلسطيني.
(1)
حوار مع مدون مصري.
(4)
حوار مع مدون موريتاني
(5)
حوار مع مدون.
(5)
دراسات عن التدوين
(3)
دعاية و ترويج
(5)
دليل المدونات العربية.
(4)
عيد سعيد
(1)
متابعات.
(9)
معلومات عامة عن الدول العربية
(3)
مفهوم التدوين و أهميته
(14)
مقالات عن التدوين في الأردن.
(12)
مقالات عن التدوين في الجزائر
(7)
مقالات عن التدوين في الكويت.
(1)
مقالات عن التدوين في فلسطين
(1)
مقالات عن التدوين في مصر.
(7)
مقالات عن التدوين في موريتانيا.
(6)
ملف التدوين الجواري
(5)
ملفات التدوين.
(4)
من أحسن ما قرأت في المدونات المصرية.
(3)
من أحسن ما قرأت في مدونات موريتانيا
(1)
من أهم ما قرأت في مدونات الأردن
(2)
من أهم ما قرأت في مدونات الجزائر.
(7)
من أهم ما قرأت في مدونات المغرب.
(3)
مواقع أدلة و منصات متخصصة في التدوين.
(1)
نجوم التدوين ( حوارات )
(11)
نصائح و مساعدات عملية يحتاجها المدون
(5)
نقاش
(5)
هذه المدونة
(2)
وحدة الأمة العربية و الإسلامية .
(1)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق