في بداية هذا المقال أود أن أوجه التحية الصادقة لسعادة النائب خالد السطري الذي تحمل سيارته الرقم 49 وهي سيارة كورية الصنع بحجم محرك 1600 سي سي من التي يملكها أي مواطن أردني من الطبقة الوسطى وأريد أن أؤكد بأنني لم أعرف هذا النائب قبل أن أرغب في الإستفسار عن هويته. سعادة النائب كان من ضمن زوار معرض الكتاب في عمان يوم الجمعة الفائت وقد إصطفت سيارته بشكل طبيعي وسط السيارات الأخرى وبدون أي امتيازات خاصة. أعجبني جدا التزام سعادة النائب بهذا التواضع ولكن أزعجني أن بعض الأشخاص الذين مروا بجانب السيارة كانوا يضحكون عند مرورهم وعلى الأقل ثلاثة منهم قالوا لمرافقيهم بأنه من المستهجن أن يكتفي النائب بهذه السيارة الكورية الصغيرة لأنه من المفترض أن يقود سيارة كبيرة وفارهة.في كثير من الأحيان نكتب في الصحف ونعلق في مجالسنا الخاصة عن "توجهات الفخامة" التي يحاول كل المسؤولين والشخصيات العامة تقريبا إحاطة أنفسهم بها مثل السيارة الفارهة والأثاث باهظ الثمن وتكاليف الضيافة وخاصة عندما يكون الإنفاق من المال العام. ولكننا ننسى في أحيان كثيرة أن هذا التوجه نحو "الفساد" تشجعه وبكل أسف قناعات اجتماعية تؤمن بأن المسؤول الذي "يعبئ موقعه" لا بد له من إظهار جميع أشكال السلطة والنفوذ والفخامة حتى يكون مسؤولا محترما وصاحب هيبة.المجتمع الأردني بشكل أساسي حساس تجاه النقد، ولا يحب أن يكتب أحد الصحافيين أو المعلقين رأيا يضع مسؤولية ما على المجتمع ويعتقد بأن كل النقد يجب أن يوجه للمسؤولين ولكن الواقع في مجتمعنا أن هناك شعورا ينتاب الجميع بأهمية مظاهر الترف والقوة لدى المسؤول. إذا كان الوزير مثلا من النوع الذي يتجاوز القوانين من أجل تسهيل توظيف الأقارب والأصدقاء والمعارف وتوظيف المال العام لخدمه مصالحه أو مظاهره الاجتماعية فإنه يحظى بتقدير لدى المجتمع يتراوح ما بين الإيمان بقدرته وقوته في "إتخاذ القرار" وما بين الرغبة في تحاشي غضبه المؤلم لأن "يديه طايلة". في المقابل فإن الوزير الذي يلتزم بأسس الإدارة المهنية في مقاومة الضغوطات والتركيز على الكفاءات والظهور بسمات التواضع يعتبر عادة مسؤولا ضعيفا ومترددا لا يستطيع أن يحقق "الخير لأهله فكيف يحقق الخير للآخرين".بالرغم من كل ما يقال حول ضرورة المساءلة والمحاسبة للمسؤولين فإن الطوابير التي تطارد النواب للوساطات ومئات الطلبات للتوظيف المقدمة للوزراء والمدراء تؤكد بأن القناعة التامة هي في العلاقات الشخصية والحصول على الامتيازات التي يمكن أن يوفرها المسؤول "القوي القادر على تحقيق ما يريد". وفي نفس الوقت فإن المنصب الحكومي أو العام ومكتسباته تعتبر هوية اجتماعية اساسية للمرء وبدونها يفقد الكثير من هيبته. فور أن أتخذت حكومة عدنان بدران قرار منع استخدام السيارات الحكومية خارج أوقات الدوام الرسمي أصيب الكثير من المدراء والموظفين الكبار بالهلع وتم إصدار مئات المذكرات والكتب الرسمية التي قامت "بالإلتفاف" على القرار من خلال وثائق تفيد بأن "متطلبات العمل" هي التي تحتم استخدام السيارة بعد أوقات الدوام الرسمي حتى يحتفظ أصحاب هذه المظاهر بها لاستمرار حماية مكانتهم الاجتماعية.في مجتمع يعتبر أن الشخصية العامة القوية هي التي تستمتع بمكتسبات كثيرة يبدأ المبرر الأساسي للفساد وسوء استغلال المال العام، وفي مجتمعات تؤمن بأن الكفاءة والأمانة في الإدارة لا تتعارضان مع الذهاب إلى العمل بسيارة شخصية صغيرة يمكن لجهود منع الفساد أن تحظى بدعم اجتماعي مؤثر، أما لدينا فمن يحاسب من؟رابط النص الأصلي : http://www.jordanwatch.net/arabic/archive/2008/7/628273.html
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق