هذا الموضوع أذكر بأني أتناوله في مجموعة مقالات بهدف تقييم تجربة تدوينية سبق لي أن خضتها منذ سنة تقريبا .الأمر يتعلق بمدونة أولاد ميمون الموقع الذي سعيت أن أتخصص من خلاله في شؤون الحياة بمدينتي التي أسكنها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا ـ اكتب بإسم مستعار. هذه أهم نصيحة أقدمها لمن يتطلع للنجاح في الكتابة عن الجوار و يريد أن يحقق الإستمرار في ذلك.
في المقال السابق قلت أن أهل الفساد المنتشرين في كل مكان و خاصة في مؤسسات الدولة هم العدو رقم واحد الذي يُحتمل أن يواجهه كل من يريد الكتابة عن الجوار ،و أن أهم طريقة يمكن لهؤلاء انتهاجها لعرقلة من يواجههم هي التشكيك في النية التي تدفعه لخوض هذه التجربة من الأساس ،فيعمدوا مثلا لربطها بمشروع سياسي مبيت يعمل من أجله في السر و القول بأنه انتهج أسلوبا رخيسا بغرض زعزعة إستقرار المنطقة و النيل من هيبة الدولة فيها.. إلى غيرها من التهم الكبيرة و الجاهزة التي تعوّدوا الإحتماء وراءها و التي تجعل أي حالم بالإصلاح يعيد التفكير ألف مرة قبل أن يقدم على أي خطوة من هذا النوع ..إذا كانت هذه هي الوسيلة التي ألفوا استعمالها لحماية أنفسهم فإن أحسن طريق يمكن انتهاجها لمقاومة تلك المكائد هي الإعلان من البداية و بكل وضوح بأن المدونة هي موقع إخباري متخصص يحصر نشاطه في الإهتمام بمجرى الحياة في الحي أو القرية و أنه ليس من قناعة صاحبه ( أو أصحابه ) الربط بين النظام السياسي السائد في البلاد و بين الفساد المتفشي محليا.
و إلى هنا قد يتساءل البعض: و ما علاقة هذه المقدمة بالكتابة بإسم مستعار ؟! ثم ألا يعد هذا تناقضا مع مبدأ الإعلان بأن صاحب المدونة ليس من قناعته الربط بين النظام السياسي السائد في البلاد و بين الفساد المتفشي محليا ؟!
للإجابة أحب أن أذكّر و ألح في التذكير بأن مقاومة الفساد من المفروض أن تتم عبر القنوات الرسمية المتمثلة في قطاع العدالة .لكن بما أن الكل يعلم أن أهل الفساد على اختلاف مستوياتهم لهم يد كبرى في التأثير على مجرى عمل هذه المؤسسة و حتى على مؤسسات الأمن المرتبطة بها صار من المهم أننا لما نواجههم نفعل ذلك من خلف الستار و لا نعطيهم الفرصة لمتابعتنا قضائيا استنادا لأي تهمة ملفقة.طبعا من يملك الشجاعة للكتابة بإسمه الحقيقي و يستطيع أن يستمر بالرغم من ذلك فهذا أحسن ممن يريد الكتابة باسم مجهول .لكن العبرة هنا لا ترتبط بموقف شجاعة بعيد عن الواقعية و لكن ترتبط بأسهل الطرق التي تقنع عامة أفراد المجتمع بأهمية و سهولة المشاركة في الرفع من الغبن الذي يعيشوه.
لكن من جهة أخرى فمبدأ الكتابة باسم مستعار هذه الخطوة لا يجب أن تنسينا بأننا ملزمين بإعطاء الدليل القاطع على صدق نيتنا و أننا لا ننتمي كما قد يدعي من يزعجهم نشاطنا لمنظمات سرية ذات مشروع سياسي مبيت . و أحسن دليل نثبت به ذلك هو أن لا نسلك في نشاطنا أسلوب تلك المنظمات التي يحرص عناصرها على بث منشوراتهم من خارج التراب الوطني أو من عدد متفرق من مقاهي الإنترنت حتى لا تتمكن أجهزة الدولة المختصة (1) من رصدهم و التعرف عليهم.و بالتالي فأنت رغم أنك ستكتب بإسم مستعار إلا أنك تحرص قدر الإمكان على الكتابة من مكان ثابت لتعطي فرصة كافية لمصالح الدولة المختصة كي تتعرف عليك . أقول هذا لأن تلك المصالح مرتبطة بهرم السلطة في البلاد و ليس لمؤسسات الدولة على المستوى المحلي أي هيمنة عليها.
و هنا أجدني مجبر على تذكيركم بأننا حين نكتب بإسم مستعار نحن لا ننوي أن نتجنى على الناس ( 2 ) و لكننا نقوم بذلك لرغبتنا في الدفاع عن أنفسنا و المساهمة كمواطنين عاديين في مقاومة الفساد الذي يحيط بنا و يؤذينا أكثر من غيرنا .كل هذا مع مراعاة ضعف تجربنا ،العامل الذي يمكن أن يوقعنا في أخطاء غير مقصودة و بالتالي فنحن نتجنب الظهور بهوياتنا الحقيقية هربا من المضايقات الكيدية التي قد تعرقل نجاح مسعانا.لذلك أتوقع ـ بل أكاد أكون متأكدا ـ من تفهم السلطات العليا للبلاد لدوافعنا و أعول بالتالي على غضها الطرف عنا طالما أنها تعي أكثر منا بأن الفساد الذي يؤذينا و يساهم في إعاقة تقدم مجتمعنا إنما هو مستفحل على المستوى المحلي أكثر بكثير مما هو مستفحل على مستوى القمة ،و أن انتهاجنا كمواطنين عاديين لأساليب موازية غير تلك التي يمثلها القضاء وباقي المؤسسات الرسمية التي استطاع المفسدون أن يخترقوها و يتأقلموا مع القوانين التي تنظمها ..تبنينا لهذا الأسلوب يصبح أمرا مفهوما و ربما مقبولا ، أو على الأقل يتم التغاضي عنه.
إلى هنا قد يعتبر بعض دعات المعارضة السياسية بأن هذا الكلام ربما يكون أسلوب تغطية على ( النظام السياسي الفاسد ،و يمنع المواطن الغيور على بلده من أن يتجه بالنقد لمكمن الداء و هي السلطة الحاكمة ) فيضيع مجهوده مع إهتمامه بتفاصيل الحياة البسيطة التي لا تنتهي و نحكم بالتالي على البلاد بأن تدخل في حلقة مفرغة لن نخرج منها بنتيجة مهمى طال الزمن.
و للرد على هذا الإنشغال أشير إلى أن هذا المسعى لا ينفي أهمية وجود معارضة سياسية في البلاد و لا أي تيار سياسي آخر ، و بالتالي فمن يرى أن العمل في اتجاه معارضة نضام الحكم هو الحل أنا لا أملك إلا أن أحترم اختياره لكن في نفس الوقت هذا يحتم عليه بالمقابل أن يحترم هو أيضا اختياري.مع العلم أن النشاط على مستوى الجوار مع عدم الربط بينه و بين مشروع سياسي معارض من الواجب أن يستوعب كل أفراد المجتمع بمن فيهم نشطاء المعارضة لأن هذا الأسلوب هو الخيار الوحيد الكفيل بمد المجتمع بوسائل عمل ثابتة يستفيد منها كافة أفراد المجتمع و لا يُبقيه رهين صراعات سياسية لا تنتهي .خاصة و أن الواقع يثبت أن دعات المعارضة أغلبهم لا يجدوا أثناء ممارستهم نشاطهم المهني ، لا يجدوا صعوبة كبيرة في تجاوز كثير من قناعاتهم الفكرية و السياسية مقابل حفاظهم على لقمة العيش ، فكيف لما يتعلق الأمر بالصالح العام يصير التنازل معرة و تغطية على نظام سياسي فاسد .
ثم من جهة أخرى يجب علينا أن نتذكر فئة الشباب الذين لم يعودوا يثقون لا في خطاب السلطة و لا في خطاب المعارضة ،لا لشيئ إلا لأنهم اقتنعوا بأن الإثنين لا يقدمان لهم دعم ملموس و أنه لا هم لرؤوس الطائفتين إلا خدمة مراكزهم الإجتماعية و المادية .فيقول لك أحد هؤلاء :السلطة منشغلة بمشاريع استراتيجية لا تظهر نتائجها إلا بعد عشر سنوات أو أكثر كتعويلها على استتباب الأمن و شق الطرق و إنجاز السدود و غيرها من المشاريع الإستراتيجية التي تدر على الكثيرين منهم أموالا طائلة دون أن يحاسبهم عليها أحد .أما المعارضة فهي الأخرى تربط أداء دورها بشرط توليها الحكم ،و هو الشرط الذي إن قدرنا أنه سيتحقق فإنه لن يقع إلا بعد مرور عشرات السنين فهل هذا يعني أننا نريد أن نضحي بملايين البطالين و العوانس و غيرهم من المحرومين الذين يتطلب وضعهم تدخل سريع ..هل ننتظر عشرات السنين ريثما تنجز المشاريع الإستراتيجية العملاقة أو ريثما يتولى سيادة الزعيم المعارض مقاليد السلطة !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرجو من الإخوة و الأخوات الزوار المؤمنين بالخطورة التي يمكن أن يشكلها الإعلام في التأثير على مجرى الحياة .أرجو أن يساهمو من جهتهم في الدعاية لهذا النوع من المدونات بالكتابة عنه في مدوناتهم و إثرائه بمزيد من الأفكار و ينبهوني إن أمكن لأي خطأ أو تقصير ربما أكون قد وقعت فيه .كما أرجو منهم أن يساهموا في إقناع الشباب بأهمية دخول هذا الميدان و الوقوف معهم للنجاح فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
( 1 ) موقع جريدة الأمة العربية / إنشاء مركز لمكافحة الجريمة الإلكترونية ببئر مراد رايس
http://www.sawt-alahrar.net/online/modules.php?name=News&file=article&sid=858
ا(2) المقال الذي قدمت فيه نفسي في مدونة أولاد ميمون و سعيت أن أبرر سبب كتابتي بإسم مستعار.
http://ouledmimoun.maktoobblog.com/1582969/%D8%B5%D8%A7%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9-%D8%9F/?postView=1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال هو ضمن سلسلة مقالات نحاول أن نحيط من خلالها بموضوع المدونات الجوارية ، الهدف الذي نؤمن بأنه قادر على جعل التدوين الإلكتروني يؤثر في الواقع بدلا من بقائه في عالم افتراضي بعيدا عن حياة الناس الحقيقية.
بقية النصوص التي كتبناها في الموضوع هي :
ـ 1 ـ تعريف التدوين الجواري و من أين يستقي أهميته ،و إلى أي مدى يملك أن يفيد المجتمع ؟
ـ 4 ـ كيف يمكن لمدونة يرغب أصحابها في تحقيق الربح المادي أن يتغلبوا على المعوقات الموضوعية ؟ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحرير الرسالة
احاول ان افهم مهنى كلمة جوارية ..
ردحذفشكرا أخي لقد نبهتني لنقطة مهمة سأحاول تداركها في المستقبل القريب بموضوع خاص.لكن مع ذلك ألخص هنا جوابي بالقول بأن التدوين الجواري هو ذلك الذي يتخصص فيه أصحابه في الإهتمام بشؤون الجوار ( أي شؤون البيئة الضيقة التي يعيشون فيها كالحي في المدن الكبرى و القرية في الأرياف)بمعنى أن المدون يـجعل اهتمامه الأساسي الذي ينشّط فيه هو شؤون الجوار.
ردحذفأرجو أني كنت واضحا.
شكرا على الزيارة و تقبل تحياتي.
تدوينتك جدا مهمه
ردحذفوسالفة الاسم المستعار
فعلا معاك
هالشي لازم ننتبه له
لو حبينا نستمر
تقبل مروري