الجمعة، 30 أكتوبر 2009

المدونات الجوارية ،الحلقة الشبه مفقودة في تجربة التدوين العربي!! (الجزء 1)

هذا الموضوع سأتناوله إن شاء الله في مجموعة مقالات بهدف تقييم تجربة تدوينية سبق لي أن خضتها منذ سنة تقريبا .الأمر يتعلق بمدونة أولاد ميمون (1)، الموقع الذي سعيت أن أتخصص من خلاله في شؤون الحياة بمدينتي التي أسكنها.

ـ 1 ـ ماذا نقصد بالمدونات الجوارية ؟


باختصار شديد أقصد بها المدونات التي يتخصص أصحابها في متابعة شؤون البيئة الضيقة التي يعيشون فيها كالأحياء في المدن الكبرى و القرى في الأرياف.

هي مدونات يملك أصحابها أن ينشروا فيها كتاباتهم العامة مثلهم مثل غيرهم من باقي المدونين ،لكن التخصص الذي أشرت إليه يكون بمثابة العمود الفقري الذي يقوم عليه نشاطهم.


ـ 2 ـ فكرة التدوين الجواري من أين تستقي أهميتها ،و إلى أي مدى تملك أن تفيد المجتمع ؟

( ا ) السر الذي يقف وراء الإهتمام المتزايد لوسائل الإعلام الكبرى بالمدونات الإخبارية !!

منذ أن دخلت عالم التدوين و أنا مهتم بمطالعة ما يقع بين يدي من مقالات و دراسات تتناول تطور هذا الميدان ، لذلك فبعد أن لاحظت حالة الركود الذي شهدها هذا العالم على إثر الموجة الأولى التي أعقبت انطلاقته و انسحاب عدد من أفضل رواده و بعد اعتراف عدد آخر باستحالة تأثيره في عملية التغيير التي كان ينشدها الجميع ..بعد ذلك وجدت نفسي مقتنع بأن ثمة حلقات ما تزال مفقودة في سلسلة هذا الوافد و أننا لو نستطيع تفعيلها من الممكن جدا أن يمدنا بثمار طيبة لم نكن نتوقعها.

كنت أفكر في هذه الأشياء و في نفس الوقت كان يشغلني سؤال محدد :ما هو السر الذي يقف وراء الإهتمام الذي توليه أكبر وسائل الإعلام التقليدية لهذا الميدان و كيف نبرر الكم الهائل من المقالات و الدراسات التي تناولته بالشرح و التحليل؟.هل الأمر يتعلق فقط بتلك الخواطر الذاتية التي تتميز بها كثير من المدونات ؟ هل هي قصائد الشعر و التحليلات التي تتناول الأحداث السياسية ؟..

المتتبع لذلك الكم من المقالات و الدراسات يكتشف العكس فالجانب الذي كانت تركز عليه وسائل الإعلام في هذا الميدان هي المعلومة ،فهذا موقع البي بي سي البريطاني حين يتكلم عن التدوين في المغرب تناوله مثلا تحت عنوان :المدونات وصناعة الخبر في المغرب (2) فكان من أهم الأشياء التي طرحها القضية التي فجرها المدون المغربي رشيد جنكاري حول فاتورة رحلة مسؤول مغربي بالطائرة إلى نيوزيلاندا عبر باريس ولوس انجليس عوض ماليزيا، وهو ما كلف مالية الدولة عبئا إضافيا فاق تسعة آلاف دولار.والخبر كان كافيا لإقالة المسؤول المغربي. ثم يشير الكاتب في نفس المقال بأن سلسلة فضح الفساد توالت ،فذكر بأن آخر مستجدات المدونات في المغرب هي نشر صور لرجال الشرطة العسكرية وهم يتلقون رشاوى من أصحاب السيارات.

موقع الجزيرة نت هو الآخر كثيرا ما تعامل مع الموضوع بنفس الطريقة .فخلال تسليطه الضوء على المدونات في تونس عنْوَن أحد مقالاته بـ : المدونات تزاحم الصحافة الرسمية في تونس (3 )فأورد كلمة لأحد الصحفيين يقول فيها :“المدونات نجحت بفضل تغطيتها وتفاعلها الحي بالنص والصورة مع الأحداث الوطنية والالتصاق بهموم المواطن في جلب اهتمام الصحفيين الذين يواجهون في أغلب الأحيان مشكلة احتكار المعلومة من قبل المؤسسات الإعلامية الرسمية”.كل هذا بالتوازي مع اشتهار عدد من المدونين جلهم من المهتمين بميدان الخبر في بلدانهم. أذكر على رأسهم المصري وائل عباس و التونسي عياش مالمرسى و الموريتاني " x ولد y " و غيرهم…

إذا فأهل الإختصاص لما تعاملوا مع موجة التدوين إنما فعلوا ذلك قبل كل شيئ من منطلق أنها فرصة سمحت بكسر كثير من الحواجز المضروبة على سوق المعلومة و تستطيع أن تفتح الباب واسعا أمام عامة أفراد المجتمع كي يشاركوا فيها.و من هنا فإن التدوين يصبح مؤهل كي يتحول الكم فيه إلى قيمة تزاحم قيمة الكيف التي يفترض أن يتميز بها الإعلام التقليدي .ثم إذا أخذنا بعين الإعتبار أن عموم الناس هم غير مؤهلين كي يتعاطوا مع المعلومة على أعلى المستويات يمكننا القول أن أحسن أسلوب يمكن المواطن العادي من النشاط بفعالية في هذا الميدان هو أن يتعامل معه في محيطه الضيق الذي يعيش فيه و هنا نستشعر بوادر الدور المهم الذي من الممكن أن تلعبه المدونات الجوارية . مع العلم أن هذا الدور يبقى مرهونا بشرط أن يتم توعية المدون العربي في هذا الإطار و إقناعه بالحرص على استغلال هذه الوسيلة و لا يبقى يتعامل معها بسذاجة .

( ب ) المدونات التي تكتب عن الجوار مؤهلة أكثر من غيرها لخدمة البلاد و عباد.


و تصوروا معي لو ينخرط معظم أفراد الطبقة المتوسطة في هذا الميدان فينشروا أخبار ما يحصل من حولهم ، و يسجلوا موقفهم منها، كل في المكان الذي يسكن فيه ، و المكان الذي يشتغل فيه، أو يدرس فيه في هذه الحالة سيساهموا بشكل غير مسبوق و في ظرف قياسي في الرفع من مستوانا كأمة ،لأن قياس التقدم في أي مجتمع يتوقف حسب فهمي المتواضع على مدى ارتباط السلطات الحاكمة فيه مع الجماهير التي تحكمها ( أتوقف هنا لأشير بأني لا أتناول هذه العلاقة من منطلق حب أو كره بل أتكلم عنها من منطلق عمل مشترك ناتج عن إحساس الكل بمسؤولية خدمة البلاد ) و بالتالي فإذا كانت السلطات في بلداننا تستند في متابعتها اليومية لنشاط المجتمع ، و بالخصوص نشاط مؤسسات الدولة على التقارير التي ترفع إليها من قبل المسؤولين عليها، فإن هذه الوضعية جعلت القسم الأكبر من هؤلاء المسؤولين يستغلّوا مواقعهم الوظيفية لقضاء مصالحهم الخاصة على حساب المواطن و الخدمة العامة التي كلفوا بها ، ثم حتى يغطوا على تجاوزاتهم يقدموا على الكذب في تقاريرهم التي يرفعونها إلى مسؤوليهم ، فيصوّروا لهم بأن كل شيئ على ما يرام بينما العكس هو الواقع.

تجاه هذه الوضعية المؤسفة كان يفترض أن الصحافة التقليدية هي التي تساهم في إصلاح هذا الخلل فتقوم بفضح تلك التجاوزات و تنبه السلطات إليها.لكن الحاصل هو أن القائمين على جل مؤسسات الصحافة لم يمارسوا تلك المهمة في الغالب إلا للضغط على الشخصيات أو الجهات التي يريدوا ابتزازها لتحقيق أغراضهم الشخصية الدنيئة معلنين بذلك انضوائهم ضمن منظومة التخلف و التواطؤ للتستر على الفساد و المفسدين.

في خضم هذا الوضع المزري دخل التدوين الإلكتروني على الخط كلاعب جديد فخلق المفاجأة التي لم يتوقعها أحد حيث سمح للمواطن العادي كي يلعب الدور المنتظر من الصحافة بشكل مباشر و بأكثر قوة و بصفر تكاليف تقريبا . كل هذا شريطة أن يمارس المواطن هذا الفن الجديد بأعداد كبيرة لأن هذا الشرط هو الوحيد الكفيل بلفت انتباه المسؤولين و خلق حالة من الضغط قد تصل لمستوى دفعهم نحو التجاوب مع ما يكتب في المدونات.

هكذا اقتنعت بأننا أتيحت لنا فرصة نضع عن طريقها المسؤولين على مجتمعاتنا أمام مسؤولياتهم فننقل لهم أخبار حياتنا في كل تفاصيلها و في كل شبر من تراب أوطاننا ، من غير وسيط ، و بشكل متواتر ، و من هنا فلما يغطي عدد كبير من العمال في إحدى مؤسسات الدولة ـ مثلا ـ أحداث أي تجاوز مع تصريح و لو قسم منهم بهوياتهم الحقيقية ، في هذه الحالة لا أحد يملك أن يغض الطرف عن ذلك المشكل أو يمنع التحقيق في الحادث بعيدا عن التقارير الرسمية الكاذبة ..لقد شعرت بأن الكرة أضحت في ملعبنا ، حيث صار من واجبنا استغلال هذه الفرصة و الإصرار على عدم تضييعها .

هل حدث شيئ من هذا ؟ .الواقع يقول بأنه لم يحدث !! كل ما وقع هو أن دخل ميدان التدوين أفراد المعارضة السياسية و بعض نشطاء حقوق الإنسان فنقلوا إليه نضالهم الرامي لإسقاط الحكومات أو رفع الضيق عن المغبونين كما التحق به بعض الأدباء أو المواطنين لنشر محاولاتهم الأدبية أو خواطرهم الذاتية التي لا تمس ما أشرت إليه في شيئ .

هذا و إن كنت لست ضد أن يستغل المعارضون هذا الفضاء للتعبير عن قناعاتهم و لا أن يستغله آخرون في الترويح عن أنفسهم أو الترويج لإبداعاتهم لكن الذي أسجله على شعوب مجتمعاتنا العربية في هذا الصدد هو أنها لم تستغل هذا الوافد الإعلامي الجديد كما يلزم !! ما هو السبب في ذلك ؟ السبب يرجع في اعتقادي لمجموعة من العوامل تلتقي في مجملها عند نتيجة واحدة ، و هي أننا شعوب متخلفة لا تعرف كيف تستغل الفرص لتدافع عن نفسها و عن مصالحها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع :

(1) مدونة أولاد ميمون : http://ouledmimoun.maktoobblog.com/


(2) مجلة التدوين العربي بموقع مكتوب : المدونات وصناعة الخبر في المغرب


http://failkhair.maktoobblog.com/1316074/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A8%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8/


(3) الجزيرة نت :المدونات تزاحم الصحافة الرسمية في تونس

http://www.aljazeera.net/news/archive/archive?ArchiveId=1094499

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا المقال هو ضمن سلسلة مقالات نحاول أن نحيط من خلالها بموضوع المدونات الجوارية ، الهدف الذي نؤمن بأنه قادر على جعل التدوين الإلكتروني يؤثر في الواقع بدلا من بقائه في عالم افتراضي بعيدا عن حياة الناس الحقيقية.
بقية النصوص التي كتبناها في الموضوع هي :

ـ 2 ـ ـ المشاكل التي يفترض أن تصادفها المدونات الجوارية ، و المضايقات التي تتعرض لها من قبل محترفي الفساد .موضوع ختمناه بطرح كيفيات تصدي لتلك المشاكل.

ـ 3 ـ تتمة لكيفية التصدي للمضايقات التي تعيق أن تؤتي المدونات الجوارية أكلها. (التركيز على أهمية الكتابة باسم مستعار.)

ـ 4 ـ كيف يمكن لمدونة يرغب أصحابها في تحقيق الربح المادي أن يتغلبوا على المعوقات الموضوعية ؟

ـــــــــــــــــــــــــ

أرجو من الإخوة و الأخوات الزوار المؤمنين بالخطورة التي يمكن أن يشكلها الإعلام في التأثير على مجرى الحياة .أرجو أن يساهمو من جهتهم في الدعاية لهذا النوع من المدونات بالكتابة عنه في مدوناتهم و إثرائه بمزيد من الأفكار و ينبهوني إن أمكن لأي خطأ أو تقصير ربما أكون قد وقعت فيه .كما أرجو منهم أن يساهموا في إقناع الشباب بأهمية دخول هذا الميدان و الوقوف معهم للنجاح فيه.

هناك 5 تعليقات:

  1. شكرا على التعريف الجديد علي

    ردحذف
  2. موضوع جدا جميل ومميز .. فالحلقات المفقودة هي التي تصل الأطراف والنقاط ببعضها .. الفكرة أعجبتني كثيرا خاصة وأنه لا توجد صور حيه ومباشرة لنقل الأخبار والمستجدات التي قد تكون مهمة على مستوى المحافظة أو القرية.

    من ناحية أخرى أنا نظرة للتدوين على أنه عالم كوني متبحر ومتوسع الاتجاهات لكن كله يلتقى في نقطة واحدة وهي الفكر الحر .

    ردحذف
  3. السلام عليكم ورحمة الله

    بالطبع كل من كان لديه ادنى حب للتدوين وانتماء
    لفكرة الاصلاح والهدف الاساسى من وراء التدوين يؤيد الفكر ة ويشجعها
    لكن لا اخفى عليك اخى الكريم كثيرين وانا منهم لا اعرف كيف تكون البداية
    انا بدأت التدوين من ستة اشهر وكان هدفى الاساسى
    شىء من الدعوة الطيبة للاسلام ونشر المفاهيم الصحيحة ... بقدر استطاعتى المتواضعة

    سرعان ما استهوانى الامر واحببت ان اضيف شىء من هواياتى الخاصة فى مدونة اخرى
    وهكذا الى ان اصبح لى 3 مدونات
    لكن ايضا الى الان اشعر بشىء من العجز اريد ان افعل شىء اكثر فائدة ونفع لكن الى الان لا اعرف اول الطريق

    كلامك اوحى لى بكثير من الافكار وفعلا كانت اول مرة لى اسمع عن المدونات الجوارية ...ربما الاسم جديد لكن الفكرة هى ما كنت ابحث عنها وسعدت كثيرا بقراءتى لمقالك الرائع وسأكون دائما فى انتظار اجزاءه ان شاء الله
    تحياتى الخالصة لك اخى الكريم

    ردحذف
  4. استفسار اخى لو سمحت

    ليه التعليقات بتاريخ سابق عن تاريخ كتابة الموضوع ؟؟؟

    ردحذف
  5. أختي أم هريرة السلام عليكم.

    سأعلق على ملاحظتك الأخيرة و أؤجل تعليقي على تدخلك الأول ليوم غد إن شاء الله.

    نص المقال هو ليس متأخر عن تاريخ التعليقات.

    المقال مؤرخ في 2009 بينما التعليقات مؤرخة في 2010

    شكرا أختي على مرورك الطيب.

    ردحذف

المجموعة البريدية للمدونات العربية . لأخذ فكرة عنها و عن أهدافها ، اضغط هنا
مجموعات Google
اشتراك في المجموعة البريدية للمدونات العربية
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة

أكثر المواضيع رواجا منذ نشأة المدونة.

تصنيفات

أخبار التدوين. (69) أخلاقيات التدوين. (6) استطلاع رأي. (3) الإنترنت في الدول العربية (3) التدوين من خلال تقييمات لتجارب شخصية. (2) المدونات الجوارية. (1) المدونات و دورها في الدعاية الفكرية و السياسية. (2) اهتمام رجال السياسة و مؤسساتهم بميدان التدوين. (9) اهتمام وسائل الأعلام بالتدوين و المدونات . (5) تدويناتي الخاصة. (32) تعرف على الأردن (1) تعرف على الجزائر (3) تعرف على موريتانيا (3) تعرف على موريتانيا. (1) تنظيمات التدوين (1) حريات (5) حملات عامة. (11) حوار مع مدون (مختصرات عن كرسي الإعتراف ) (3) حوار مع مدون أردني (2) حوار مع مدون جزائري (7) حوار مع مدون فلسطيني. (1) حوار مع مدون مصري. (4) حوار مع مدون موريتاني (5) حوار مع مدون. (5) دراسات عن التدوين (3) دعاية و ترويج (5) دليل المدونات العربية. (4) عيد سعيد (1) متابعات. (9) معلومات عامة عن الدول العربية (3) مفهوم التدوين و أهميته (14) مقالات عن التدوين في الأردن. (12) مقالات عن التدوين في الجزائر (7) مقالات عن التدوين في الكويت. (1) مقالات عن التدوين في فلسطين (1) مقالات عن التدوين في مصر. (7) مقالات عن التدوين في موريتانيا. (6) ملف التدوين الجواري (5) ملفات التدوين. (4) من أحسن ما قرأت في المدونات المصرية. (3) من أحسن ما قرأت في مدونات موريتانيا (1) من أهم ما قرأت في مدونات الأردن (2) من أهم ما قرأت في مدونات الجزائر. (7) من أهم ما قرأت في مدونات المغرب. (3) مواقع أدلة و منصات متخصصة في التدوين. (1) نجوم التدوين ( حوارات ) (11) نصائح و مساعدات عملية يحتاجها المدون (5) نقاش (5) هذه المدونة (2) وحدة الأمة العربية و الإسلامية . (1)